فصل: كتاب القصاص:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام



الرابعة: في الحديث: «وهو يتشحط في دمه قتيلا» وذلك يقتضي وجود الدم صريحا والجراحة ظاهرة ولم يشترط الشافعية في اللوث لا جراحة ولا دما وعن أبي حنيفة: أنه إن لم تكن جراحة ولا دم فلا قسامة وإن وجدت الجراحة ثبتت القسامة: وإن وجد الدم دون الجراحة فإن خرج من أنفه: فلا قسامة وإن خرج من الفم أو الأذن ثبتت القسامة هكذا حكي واستدل الشافعية بأن القتل قد يحصل بالخنق وعصر الخصية والقبض على مجرى النفس فيقوم أثرهما مقام الجراحة.
الخامسة: عبد الرحمن بن سهل هو أخو القتيل ومحيصة وحويصة ابنه مسعود: ابنا عمه وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالكبر بقوله: «كبر كبر» فيقال في هذا: إن الحق لعبد الرحمن لقربه.
والدعوى له فكيف عدل عنه؟ وقد يجاب عن هذا بأن الكلام ليس هو حقيقة الدعوى التي يترتب عليها الحكم بل هو كلام لشرح الواقعة وتبيين حالها أو يقال: إن عبد الرحمن يفوض الكلام والدعوى إلى من هو أكبر منه.
السادسة: مذهب أهل الحجاز أن المدعي في محل القسامة يبدأ به في اليمين كما اقتضاه الحديث ونقل عن أبي حنيفة خلافه وكأنه قدم المدعي هاهنا- على خلاف قياس الخصومات- بما انضاف إلى دعواه من شهادة اللوث مع عظم قدر الدماء ولينبه على أنه ليس كل واحد من هذين المعنيين بعلة مستقلة بل ينبغي أن يجعل كل واحد جزء علة.
السابعة: اليمين المستحقة في القسامة خمسون يمينا وتكلم الفقهاء في علة تعدد اليمين في جانب المدعي فقيل لأن تصديقه على خلاف الظاهر فأكد بالعدد وقيل: سببه تعظيم شأن الدم وبني على العلتين: ما إذا كانت الدعوى في غير محل اللوث وتوجهت اليمين على المدعى عليه ففي تعددها خمسين: قولان للشافعي.
الثامنة: قوله عليه السلام: «فتبرئكم يهود بخمسين يمينا» فيه دليل على أن المدعي في محل القسامة إذا نكل: أنه تغلظ اليمين بالتعداد على المدعي عليه وفي هذه المسألة طريقان:
إحداهما: إجراء قولين فإن نكوله يبطل اللوث فكأنه لا لوث.
والثانية- وهي الأصح- القطع بالتعدد للحديث فإنه جعل أيمان المدعي عليهم كأيمان المدعين.
التاسعة: قوله: «وتستحقون قاتلكم أو صاحبكم» وفي رواية: «دم صاحبكم» يستدل به من يرى القتل بالقسامة وهو مذهب مالك وللشافعي قولان: إذا وجد ما يقتضي القصاص في الدعوى والمكافأة في القتل.
أحدهما: كمذهب مالك وهو قديم قوليه تشبيها لهذه اليمين باليمين المردودة.
والثاني- وهو جديد قوليه- أن لا يتعلق بها قصاص واستدل له من الحديث بقوله عليه السلام: «إما أن يدوا صاحبكم وإما أن تؤذنوا بحرب» فإنه يدل على أن المستحق دية لا قود ولأنه لم يتعرض للقصاص والاستدلال بالرواية التي فيها: «فيدفع برمته» أقوى من الاستدلال بقوله عليه السلام: «فتستحقون دم صاحبكم» لأن قولنا يدفع برمته يستعمل في دفع القاتل للأولياء للقتل ولو أن الواجب الدية لتبعد استعمال هذا اللفظ فيها وهو في استعماله في تسليم القاتل أظهر والاستدلال بقوله: «دم صاحبكم» أظهر من الاستدلال بقوله: «فتستحقون قاتلكم أو صاحبكم» لأن هذا اللفظ الأخير لابد فيه من إضمار فيحتمل أن يضمر «دية صاحبكم» احتمالا ظاهرا وأما بعد التصريح بالدم: فتحتاج إلى تأويل اللفظ بإضمار بدل صاحبكم والإضمار على خلاف الأصل ولو احتيج إلى إضمار: لكان حمله على ما يقتضي إراقة الدم أقرب والمسألة مستشنعة عند المخالفين لهذا المذهب أو بعضهم فربما أشار بعضهم إلى احتمال أن يكون: «دم صاحبكم» هو القتيل لا القاتل ويردده قوله: «دم صاحبكم أو قاتلكم».
العاشرة: لا يقتل بالقسامة عند مالك إلا واحد خلافا للمغيرة بن عبد الرحمن من أصحابه وقد يستدل لمالك بقوله عليه السلام: «يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته» فإنه لو قتل أكثر من واحد لم يتعين أن يقسم على واحد منهم.
الحادية عشرة: قوله: «برمته» مضموم الراء المهملة مشدد الميم المفتوحة وهو مفسر بإسلامه للقتل وفي أصله في اللغة قولان:
أحدهما: أن الرمة حبل يكون في عنق البعير فإذا قيد أعطي به.
والثاني: أنه حبل يكون في عنق الأسير فإذا أسلم للقتل سلم به.
الثانية عشرة: إذا تعدد المدعون في محل القسامة ففي كيفية أيمانهم قولان للشافعي.
أحدهما: أن كل واحد يحلف خمسين يمينا الثاني: أن الجميع يحلفون خمسين يمينا وتوزع الأيمان عليهم وإن وقع كسر تمم فلو كان الوارث اثنين مثلا حلف كل واحد خمسة وعشرين يمينا وإن اقتضى التوزيع كسرا في صورة أخرى- كما إذا كانوا ثلاثة- كملنا الكسر فحلف سبعة عشر يمينا.
الثالثة عشر: قوله عليه السلام: «يحلف خمسون منكم» قد يؤخذ منه مسألة ما إذا كانوا أكثر من خمسين.
الرابعة عشرة: الحديث ورد بالقسامة في قتيل حر وهل تجري القسامة في بدل العبد؟ فيه قولان للشافعي.
وكان منشأ الخلاف أن هذا الوصف- أعني الحرية- هل له مدخل في الباب أو اعتبار أم لا؟ فمن اعتبره يجعله جزءا من العلة إظهارا لشرف الحرية ومن لم يعتبره قال: إن السبب في القسامة إظهار الاحتياط في الدماء والصيانة من إضاعتها.
وهذا القدر شامل لدم الحر والعبد وألغي وصف الحرية بالنسبة إلى هذا المقصود وهو جيد.
الخامسة عشرة: الحديث وارد في قتل النفس وهل يجري مجراه ما دونها من الأطراف والجراح؟ مذهب مالك: لا وفي مذهب الشافعي قولان:
ومنشأ الخلاف فيها أيضا ما ذكرناه من أن هذا الوصف- أعني كونه نفسا- هل له أثر أو لا؟ وكون هذا الحكم على خلاف القياس مما يقوي الاقتصار على مورده.
السادسة عشرة: قيل فيه: إن الحكم بين المسلم والذمي كالحكم بين المسلمين في الاحتساب بيمينه والاكتفاء بها وأن يمين المشرك مسموعة على المسلمين كيمين المسلم عليه ومن نقل من الناس عن مالك أن أيمانهم لا تسمع على المسلمين كشهادتهم فقد أخطأ قطعا في هذا الإطلاق بل هو خلاف الإجماع الذي لا يعرف غيره لأن في الخصومات إذا اقتضت توجه اليمين على المدعى عليه حلف وإن كان كافرا والله أعلم.
4- عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن جارية وجد رأسها مرضوضا بين حجرين فقيل: من فعل هذا بك؟ فلان فلان؟ حتى ذكر يهودي فأومأت برأسها فأخذ اليهودي فاعترف فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بين حجرين).
5- ولمسلم والنسائي عن أنس: (أن يهوديا قتل جارية على أوضاح فأقاده رسول الله صلى الله عليه وسلم بها).
الحديث دليل على مسألتين من مشاهير مسائل الخلاف.
الخلاف أن القتل بالمثقل موجب للقصاص وهو ظاهر من الحديث وقوي في المعنى أيضا فإن صيانة الدماء من الإهدار أمر ضروري والقتل بالمثقل كالقتل بالمحدد في إزهاق الأرواح فلو لم يجب القصاص بالقتل بالمثقل لأدى ذلك إلى أن يتخذ ذريعة إلى إهدار القصاص وهو خلاف المقصود من حفظ الدماء وعذر الحنفية عن هذا الحديث ضعيف وهو أنهم قالوا: هو بطريق السياسة.
وادعى صاحب المطول: أن ذلك اليهودي ساع في الأرض بالفساد وكان من عادته قتل الصغار بذلك الطريق قال: أو نقول: يحتمل أن يكون جرحها برضخ وبه نقول يعني على إحدى الروايتين عن أبي حنيفة والأصح عندهم أنه يجب به.
المسألة الثانية: اعتبار المماثلة في طريق القتل هو مذهب الشافعي ومالك وإن اختار الولي العدول إلى السيف فله ذلك وأبو حنيفة يخالف في هذه المسألة فلا قود عنده إلا بالسيف والحديث دليل لمالك والشافعي فإن النبي صلى الله عليه وسلم رض رأس اليهودي بين حجرين كما فعل هو بالمرأة ويستثنى من هذا ما إذا كان الطريق الذي حصل به القتل محرما كالسحر فإنه لا يمكن فعله.
واختلف أصحاب الشافعي فيما إذا قتل باللواط أو بإيجار الخمر فمنهم من قال: يسقط اعتبار المماثلة للتحريم كما قلنا في السحر ومنهم من قال: تدس فيه خشبة ويؤجر خلا بدل الخمر.
وأما قولنا: إن للولي أن ينتقل إلى السيف إذا اختار فقد استثنى بعضهم منه: ما إذا قتله بالخنق قال: لا يعدل إلى السيف وادعى أنه عدول إلى أشد فإن الخنق يغيب الحس فيكون أسهل.
والأوضاح: حلى من الفضة يتحلى بها سميت بها لبياضها واحدها وضح وفي قوله في هذه الرواية فأقاده ما يقتضي بطلان ما حكيناه من عذر الحنفي.
6- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما فتح الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة قتلت خزاعة رجلا من بني ليث بقتيل كان لهم في الجاهلية فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن الله عز وجل قد حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين وإنها لم تحل لأحد كان قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار وإنها ساعتي هذه حرام لا يعضد شجرها ولا يختلى خلاها ولا يعضد شوكها ولا تلتقط ساقتطتها إلا لمنشد ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يقتل وإما أن يدي» فقام رجل من أهل اليمن يقال له أبو شاه فقال: يا رسول الله اكتبوا لي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اكتبوا لأبي شاه» ثم قام العباس فقال: يا رسول الله إلا الإذخر فإنا نجعله في بيوتنا وقبورنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إلا الإذخر».
فيه مسائل سوى ما تقدم في باب الحج:
الأولى: قوله عليه السلام: «إن الله حبس عن مكة الفيل» هذه الرواية الصحيحة في الحديث والفيل بالفاء والياء آخر الحروف وشذ بعض الرواة فقال: الفيل أو القتل والصحيح الأول وحبسه: حبس أهله الذين جاءوا للقتال في الحرم.
الثانية: قوله عليه السلام: «وسلط عليها رسوله والمؤمنين» يستدل به من رأى أن فتح مكة كان عنوة فإن التسليط الذي وقع للرسول: مقابل للحبس الذي وقع للفيل وهو الحبس عن القتال وقد مر ما يتعلق بالقتال بمكة.
الثالثة: التحريم المشار إليه يجمعه إثبات حرمات تتضمن تعظيم المكان منها: تحريم القتل وتحريم القتل هو ما ذكر في الحديث.
الرابعة: اختلف الفقهاء في موجب القتل العمد على قولين:
أحدهما: أن الموجب هو القصاص عينا.
والثاني: أن الموجب أحد الامرين: إما القصاص أو الدية والقولان للشافعي.
ومن فوائد هذا الخلاف أن من قال: الموجب هو القصاص قال: ليس للولي حق أخذ الدية بغير رضى القاتل وقيل على هذا القول: للولي حق إسقاط القصاص وأخذ الدية بغير رضى القاتل وثمرة هذا القول على هذا تظهر في عفو الولي وموت القاتل فعلى قول التخيير يأخذ المال بالعفو عن الدية لا في الموت ويستدل بهذا الحديث على أن الواجب أحد الأمرين وهو ظاهر الدلالة ومن يخالف قال في معناه وتأويله: إن شاء أخذ الدية برضى القاتل إلا أنه لم يذكر الرضى لثبوته عادة وقيل: إنه كقوله عليه السلام فيما ذكر: «خذ سلمك أو رأس مالك» يعني: رأس مالك برضى المسلم إليه لثبوته عادة لأن السلم بأبخس الأثمان فالظاهر: أنه يرضى بأخذ رأس المال وهذا الحديث المستشهد به يحتاج إلى إثباته.
الخامسة: كان قد وقع اختلاف في الصدر الأول في كتابة غير القرآن وورد فيه نهي ثم استقر الأمر بين الناس على الكتابة لتقييد العلم بها وهذا الحديث يدل على ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن في الكتابة لأبي شاه والذي أراد أبو شاه كتابته هو خطبة النبي صلى الله عليه وسلم.
7- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه استشار الناس في إملاص المرأة فقال المغيرة بن شعبة: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبد أو أمة فقال: «لتأتين بمن يشهد معك» فشهد معه محمد بن مسلمة.
إملاص المرأة: أن تلقي جنينها ميتا.
الحديث أصل في إثبات غرة الجنين وكون الواجب فيه غرة عبد أو أمة وذلك إذا ألقته ميتا بسبب الجناية وإطلاق الحديث في العبد والأمة للفقهاء فيه تصرف بالتقييد في سن العبد وليس ذلك من مقتضى هذا الحديث فنذكره.
واستشارة عمر في ذلك أصل في الاستشارة في الأحكام إذا لم تكن معلومة للإمام.
وفي ذلك دليل أيضا على أن العلم الخاص قد يخفى على الأكابر ويعلمهم من هو دونهم وذلك يصد في وجه من يغلو من المقلدين إذا استدل عليه بحديث فقال: لو كان صحيحا لعلمه فلان مثلا فإن ذلك إذا خفي على أكابر الصحابة وجاز عليهم فهو على غيرهم أجوز.